وأولها خبر من قام الدليل القطعي على صدقه، وهو خبر الواحد القهار جل وعلا وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يخبر به، إذاً خبر الواحد أو الآحاد الذي أخبر الله تبارك وتعالى به في كتابه أو أخبر به صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين فهذا خبر واحد ولكنه مقطوع مجزوم بصحته وصدقه ولا يشك بذلك إلا من كان كافراً برسالة محمد صلى الله عليه وسلم غير مؤمن بالذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فلا يخرج منه صلى الله عليه وسلم إلا الحق.وقد كان صلى الله عليه وسلم معروفاً في الجاهلية بأنه الصادق الأمين فلم يجرب عليه كذب قبل أن يوحى إليه، فكيف بعد أن أوحي إليه، وكيف بالوحي الذي تكفل الله تبارك وتعالى بحفظه وإبلاغه له صلى الله عليه وسلم الذي نجزم بأنه أبلغ رسالة ربه حقاً ولم يكتم منها شيئاً ولم ينس منها شيئاً صلوات الله وسلامه عليه؟ بل لو أن النبي صلى الله عليه وسلم سها أو نسي لنبهه الله تبارك وتعالى حتى يكون الاقتداء والاتساء به كما وقع عندما سلم صلى الله عليه وسلم في الرباعية من ركعتين في التشهد الأول فرده الصحابة، ثم قام فأتم الصلاة، فلا يمكن أن يقر صلى الله عليه وسلم حتى لو نسي وإن كان النسيان من طبع البشر، وهذا النسيان فيه حكم عظيمة.أولها: أن يعلم الناس أنه بشر وليس إلهاً صلوات الله وسلامه عليه، وليظهر قول أهل الغلو الذين يزعمون أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب مطلقاً، فلو كان يعلم الغيب مطلقاً ولا ينسى مطلقاً كما يضفون عليه من صفات الألوهية لما نسي صلى الله عليه وسلم.ثانيها: التشريع حتى تتعلم أمته كيف تفعل إذا حصل من الإمام سهو، ولهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
إني لا أنسى، ولكني أنسى لأسن ) أي لأبين لكم، فالأصل أنه صلى الله عليه وسلم لا ينسى في دينه وعبادته وفيما يبلغ عن الله ولكنه ينسى ذلك ليسن لأمته هذه الأحكام، لتتعلم الأمة وكيف تأخذ عنه صلى الله عليه وسلم ذلك.فإذاً
ما أخبر به الله أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق مقطوع به، ولا يقبل أدنى شك ولا ريب، ومما يدل على ذلك أن الله تبارك وتعالى افتتح السورة العظيمة التي ورد فيها الفضل العظيم وهي سورة البقرة بقوله: ((
الم *
ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ))[البقرة:1-2] فقد نفى عن هذا الكتاب الريب وهو الشك، فهو حق مقطوع به فكلما أخبر به الله تبارك وتعالى به في كتابه، أو أخبر به جبريل، أو أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل وكذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور مشاهدة محسوسة، وإن لم تكن عن طريق الوحي فهو حق، ولا يمكن أن يعتريه الكذب ولا الشك ولا الريب بأي وجه من الوجوه.وهذا النوع لا أظن أن
الأشاعرة أو المتكلمين يخالفون فيه، إذا كان الخبر عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحتمل إلا الحق والصدق مطلقاً.